الجمعة، 31 مارس 2017

قمر دون كيشوت

جلست "نورا" وهي تحدق في "المج" الأسود الذي اعتادت أن تشرب فيه كل شيء، وإن كان في تلك المرة يملىء أنفها برائحة الشاي بالنعناع، طال نظرها إليه وهي في الحقيقة لا تفكر بشيء، في حين بدا رأسها الصغيروكأن تدور فيه آلاف الأفكار، ربما كان العالم في تلك اللحظة فوق كاهلها، أو خارجها تمامًا، وبعيد جدا، ولا تستطيع العثور عليه.
يرسم الصداع خطًا طويلا في أعلى جانب وجهها وكأنه طابور غاية في النظام والصبر، يحرص على أن تشعر فيه بكل خطوة يخطوها، يقول بصوت واضح معلنا عن نفسه ومدافعا عن وجوده: "أنا هنا.."
تتذكر حديثها مع "يحيى" ليلة أمس، الذي جعلها - دون قصد- تعيد تفكير في كل شيء، كان يبدو ظالمًا، وعلى علم بذلك، كان يبدو مقتنعًا بما يريد، كان مدافعًا عن حقوقه الجائرة، كان على يقين أنه ليس عادلا ولا منطقيًا، مع ذلك، لم يكن مترددا أو نادمًا.
الطريقة الأفصل للعب هي "ألا تجعل الكرة أبدا في ملعبك"، دائما الخطوة التالية لمن يواجهك، فإن أصاب نقل خطوته، أحرز هدفًا لكما معا، وإن لم يصب، أعطاك ذريعة للومه، وإلقاء كل شيء عليه، وذلك هدف لك.
 كانت تلك طريقة "يحيى" المحببة والأنانية لكنه كان متصالحا معها فلم تكن لدية مشكلة تذكر نحو ذلك.
كان واضحًا جدًا بطريقة كانت تجعل "نورا" مرتبكة، أو حتى غير متفهمة لما يجب عليها أن تفعل، لم يكن سهلا عليها أبدًا إدارة حوار معه، كان يريد أن يسمع ما يريد، وفقط "ما يريد".
 وعلى الرغم من أنهما كانا أصدقاء، إلا إنها كانت تخاف أحيانًا من طريقة تفكيره، لإدراكها كم يمكن أن يكون صعبًا عليها استيعابه أحيانًا وهي صديقته، فكيف تفعل "سارة".
كانت "سارة" كالقمر في حالاتها المزاجية المتقلبة أغلب الوقت، بسبب وبدون، فكانت تراها "نورا" أحيانا "في اكتمالها" وتظن أنها هي من يضيء حياة "يحيى" الكئيبة، وتراها أوقاتا أخرى، "هلال" لا يسعه سوى الإبتسام حتى لا تطرده السماء، وأحيانًأ، مظلمة تمامًا..وكأن الشمس نسيت أن تطل عليها يومًا لتقرئها الدفىء و السلام، وتركتها ليل طويل لا يزيده "يحيى" سوى برودة -أحيانًا-
كان "يحيى" يتحدث مع "نورا" عن علاقتهما فتستمع إليه دون أن تبادله بأي انفعالات أو ردود، فقط تحاول أن تكون الصديقة التي يمكنها أن تصغي، كان يبدو.."غير راضِ"، وكانت "نورا" تفكر: "ماذا يمكن للمسكينة أن تفعل..أكثر؟!
كان "يحيى" سماء واسعة، بينما كانت سارة "قمر"، تُنير معه في ليلة، فيظن أنه أحكم قبضته وأعتلى عرشًا ما، ثم تنطفىء في ليلة أخرى فيظن أن بإمكانه محاربة ضوء الشمس، ليؤكد لها أنها أخطأت في حقه! ويأتي إليّ..فلا أجيد الحديث. كان "متملكًا".. يحاول إجبار الماء على السكون في يده، لكنها كانت تنفلت من بين أصابعه فيُجّن، وإن لم يقتنع وحده أن الماء لن يبقى، فلن أقنعه أنا. أنت يا "دون كيشوت" لن تغير الكون، ولن تغير سارة."
كانت "نورا" وصلت إلى نظريتها الخاصة في تلك العلاقة الغريبة بينهما، وهي أن "الكرة" في الحقيقة دائمًا كانت ولاتزال بين يدي "سارة"، لكن المسكينه لا تدرك ذلك، أو ربما تسَبب "يحيى" دون أن يدرك في إدخال عقلها داخل حالة "نكران" لما يريد.
كانت تسير حول أسواره باحثة عن مدخل ما، ثغرة نسيها أحدهم، أو حتى باب سري تحسب لنفسها فضل اكتشافه، لكنه لم يرد ذلك، كان يريدها أن تستدل بعلاماته، وتسير على هداه، وكأنه أعد كتابًا مسبقًا بالإرشادات، لم تكن هي تُحسن أو تريد اتباعه.
كانت تلك اللحظات التي تاهت فيها "نورا" وسط أفكارها تبدو طويلة، حتى تساءلت، ما جدوى نظرية "المساومات" في الحياة إن لم نصل في النهاية إلى ما نريد، نحن أنانيون..  أنانيون جدًا في الحقيقة.

هناك تعليقان (2):

  1. السافل..، ذلك الظلام الذي يحتل السماء كلها فلا يجعل للبصر الا الحيرة بين اختيار نور القمر المزاجي او الليل الذي سيمحو معالمه فلا يظهر اي فرق بين الصرصور وبينه ولا بين حبات الرمال.
    لا ينجو من الليل، الا من التجأ لدفء، دفء الشاي أو اللهب المشتعل او دفء الحديث المسالم.
    مخطوط على القمر "ما بين المسافتين خصام.. ما بين المسافتين انتحار"، وكأن المسافتين ليل ويوم وما بينهما هو ما يصنع قدرهما.

    ردحذف
  2. طارق..عًلنّا لا نمل السعي وراء الدفىء والسلام، وعًلنّا نجد النور أينما نظرنا، وعًلنّا لا نوقف حديثًا نحب
    :))

    ردحذف