الجمعة، 24 يناير 2014

مش غريبة يا سلمى ؟!

1.     سلمى..لقد قررت أن اكتب لكِ..لا تسألني لماذا الان او ماهو الشىء الضروري الذي جعلنى أنتفض من أمام مذاكرتني ولدي امتحان في صبيحة الغد..علمت مع الوقت يا سلمى أن الحياة بها ما هو أهم من تلك الأكاديميات،  وأنها على الرغم من عظم أمرها في أعيننا فهي جزء من امتحان أكبر لا نراه إلا عندما نخرج خارج الصورة لتضح كاملة.  أنا الان لست خارج الصورة فلا اراها وأعتقد أن امتحاني ذلك مهم بحق..مهم جدا، فقد بدأت مشوارة عن قرار بإكمال دراساتي العليا واصدقك الان لم أعرف يوما إن كان صحيح..
سلمى أردت مخاطبتك منذ عدة أيام ولا أعرف لماذا .. عطلتني مئات االأشياء التافهه ولا اعرف لماذا ولا أعرف حتى ما هى تلك الاشياء، ربما يكون فقط كسلي،  لكنك على بعدك ظللت قريبة إلى قلبي، فهكذا هم الناس لي كلما إذدادوا بعد إذداد قربهم لروحي..أنا غريبة تحب الغرباء .
لا اعرف من اين أبدا فالافكار كلها تتزاحم في رأسي دفعة واحدة أعذرى لهجتى وجرأتي وفزعي ..أعذري افكاري إن جاءت أحيانا غير مرتبة،  فإن كنت استطعت ربطها من قبل لما تهت هكذا.
قالت لي صديقتي يوما أن مشكلتها الصعبة التي كانت محور حديثنا في الجامعه لم تنتهي بالنسبة إليها إلا من وقت قريب ليس بسبب انتفاء وجود ابطالها فقد كانوا اختفوا منذ وقت بعيد ولكن لأنها جلست خارج الصورة ورأت ما لم تراه من قبل فركبت وحللت وفسرت ووصلت إلى نتائج أجابت على أسئلتها وأنا لست تلك يا سلمى..انا لست تلك.
رأيت أبي منذ يومين يجلس أمامة  قلم وقهوة ورزمة ورق بيضاء يبدو أنه سيكتب شيئا هاما بها..شيئا ما يخبرني ان هذه غضبة رجل صمت منذ وقت طويل، لقد حاول منذ فترة الالماح لي أن شيئا ما ربما يكون فاسدا يحدث حولة غير مقبول، وانه أصبح فجا بطريقة لم تعد تحتمل وأنه ربما يأخذ خطوه لا تأتي دائما بثمارها، بل وأحيانا تأتي بعكس نتائجها لان أشياء مثل تلك لا تحدث بعيدا عن أعين الجميع كما تعلمين ودائما هناك من هو هنا وهناك  متورطا فيها..إننا كما قال هاملت يا عزيزتي البعيدة " في زمن معوج مضطرب..ويالة من قدر جائر ان يكتب علىّ تقويم اعوجاجه"..انا اخاف علية غضبة تأكل الأشياء لا تبقي لنفسها شىء فتتراجع حتى تختفي و تموت..اخاف علية.
سلمى اتدرين..أتسائل كل يوم عن حياتك وقد اخترتي ان تبقي ان تبقي بعيدا..هل أنتي سعيدة بهذا القرار هل انت سعيدة بعملك، هل انت سعيدة في تلك البيئة الغريبة عنا عن تستطيعين التعامل مع هؤلاء الناس واعتدت على عاداتهم وأكلهم وجوهم المتقلب، هل تحتفلين بأعيادهم تلبسين على موضتهم وتستمعين إلى أغانيهم..هل استبدلتي موسيقى محمد منير ..ونسيتي ذكريات أنغام التي عشناها سويا..
سلمى اعرف انك ربما بدأتي تسأمين ولكن ..اكتب اليكِ بعد ان اشتد ضيقي ..اكتب اليك بعد أن سأمت الهروب من بعد احترافة و بعد ان اخفيت رماد قصتي المنسية في اناء فخار قابل للكسرة بشدة ، بل وطالبت به..
هل وجدت رجلا احببتة هناك يا سلمى..وهل شعرت يوما أن هناك ما يسمى بالانجذاب الأول الذي يزحف داخل عقلك بشكل اكثر فتكا من السرطان..لقد قتلني !
-----------
2.     سلمى..
عذرا لجوابي المنقطع الأول، ربما سأمت الكتابة فأنهيته على حالة، وربما فصل التيار الكهربي لدينا فلم يتسنى ليّ استكماله، ولشدة ما أردت إطلاعك أرسلته على حاله.
صدقيني ولا تندهشي إن قلت لكى أني نسيت السبب الحقيقي للقطع وأغرقتني تفاصيل الغلطات الإملائية التي قد تواجهك لاني لم أراجعه.
"لا عتاب هيشفي جراح..ولا هيجيب الي راح".. أستمع إلى منير كعادتي وأفتقدك
هل شُفيتي يا سلمى..أعني..لقد مرت أعواما على بعدك، وعملك ودراستك، قلتي لي ذلك قبل سفرك بعدة ساعات،"لابد ان اعمل كثيرا كي أنسى"؛ أتذكرين كيف ظلننا نتحدث طوال الليل، حتى أن والدتك كرهتني لاني لم أعطيك فرصة للنوم والراحة قبل أن تضعي قدميك داخل تلك الطائرة التي أخذتك بعيدا يا سلمى..بعيد.
ماتت إحدى قريباتنا منذ عدة ايام؛ أترين ما هو أكثر ما بكيته؟
التفاصيل التي لم أدرك وجودها إلا عندما فقدتها، أتعلمين، كصباح الخير التي تقولينيها لأول من تريه عندما تفتحين عينيك، وكل سنه وانتي طيبة في عيد ميلادك، وغناء "قلنا هنبني وأدي إحنا بنينا السد العالي" في ذكرى 6 أكتوبر لعبد الحليم ، وكأنه قالها في حفلة الأمس لأول مرة ! ، إنها "خلي بالك من نفسك" التي تسمعينها على الباب دون إكتراث وتردين "إن شاء الله"، إنها "لماذا تأخرتي هكذا؟" إنها "مبروك" إنها "كلتي؟" ، "جعانه؟" ، "بردانه؟" ، قفلتي الباب كويس؟، باباكي إتأخر ليه؟، مبسوطة؟، عاملة إية في الشغل؟" "إية الجمال ده!" - كأول تعليق على فستاني الأزرق الذي أشتريته لحفل تخرجي من الجامعه- ..
التفاصيل التي لا تُعزى يا سلمى، الوجه الذي لا يعبس، والذكرى التي نواجه بها الحياه.
أتمنى أن تكوني شُفيتي، وأن تكون تلك السنوات اتت لكي بما تريدين.
أنا بخير..الحمد لله.
--------
3.     سلمى..
بدأت أقلق بحق..أين أنتِ، لقد سألت والدتك على العنوان الذى أرسل إلية وقالت أنه صحيح رغم نظرتها لي، وكأنها تريد أن تقول: "انا أتحدث إليها بالـskybe وانتي لسة بتبعتيلها جوابات من بتاعة زمان"..فابتسمت
سلمى أخبرتك من قبل في محادثتنا عن إعتقادي بتلك البرامج التي اخترعت لتقريب الأشخاص فدفعت بهم ابعد ما يكون، لا أقتنع إلا بذلك الورق الاصفر الذي يحمل رائحة المسافات، لا يجوز أن نطمئن على الأشخاص بـ Like  أو نحكم على صوتهم بالتغير لانهم كتبوا بالعربية بدلا من الفرانكو الذي لا يخلو من "الإيموشن" ..كيف أصبحنا هكذا ؟!
أخذتك بعيدا مرة أخرى .. مازلت كثيرة الكلام أليس كذلك ؟.
 لقد اكتشفت اني أكتب الشعر بالمناسبة، كنت أعرف ذلك من خلال بعض الأبيات الغير موزونه التي كنت أكتبها بين الحين والآخر، أما بعد ان "قُتلت"، كتبت قصيدة كاملة والقيتها في إحدى الأيام وسط عدد من المواهب المختلفة لما أسموة open mice لكل من يريد "الغناء..إلقاء الشعر..التمثيل.. الرقص ..العزف، وغير ذلك، وعندما وقفت أمام الميكروفون فور ترك إحدى الفتيات الطويلات له، شعرت بالحرج عندما القى احدهم نظره علىّ وشرع في تقليل طوله كي يصبح مناسبا لي، ومع ذلك فقد..
- بتعملي إية لوحدك؟
- ولا حاجه بس بكتب جواب لسلمى .. وحشتني
- طيب يلا عشان ناكل
- حاضر ..دقيقة وجاية
فقد قررت أن أسخر من الامر فور مواجهتي للناس، لم أخطط للأمر بحق لكني..
- يلاااااا
- طيب !
----------
لست ممن يهوون الدخان لكن على الارجح يبدو وكأنه يهواني، 
آة ..كم اعتدت على هذا الدخان المتصاعد من كوب النسكافية الخاص بي، فهو يوحي لي بالعديد من الافكار الغريبة والكئيبة وبعض الذكريات في بعض الاحيان..
سلمى سأخبرك أمرا لكن .. لا تعتقدي أني فقدت عقلي، انا فقط تعلمين..دائمة التفكير، ودائما ما أربط أشياءا ببعضها قد يراها الأخرون غير متناسبة، لكنها فقط أنا..تعلمين.
هل تظنين أن الموت له أوقات معينه ينشط فيها عن غيرها..أعني، ألم تشعري يوما أن هناك العديد من الأشخاص ماتوا في أوقات وأماكن متقاربة من حولك..قد لا يكون لهم علاقة بك..ولكن فقط أحد أقربائك..وأحد المشاهير الذين كنتي تحبينهم وأحد أقرباء صديقتك، وأحد أقرباء معارفك، وحتى والد السيدة التي تجلس بجوارك في الأتوبيس.."مش غريبة يا سلمى" !
أعلم جيدا أنها أعمار مكتوبة من قبل أن نأتي إلى هذه الدنيا..وأعلم أن كلامي قد يبدو غير منطقيا بالمرة..
لازلت حتى الأن أذكر ما روته لي صديقة  في الطفوله عندما كنا في المرحلة الإعدادية، لقد قالت،" مات إحدى جيراننا بالأمس..وأحدهم مريض ونتوقع موته قريبا لكني قلقة..فإن الموت عندما يقترب منا لا يذهب إلا وقد حصد معه عدد من الأشخاص، وليس واحدا فقط..أنا خائفة".
وعندما نظرت لها في حيرة، علمت أني أشكك فيما تقول، وأسرعت تؤكد لي أن ذلك حدث بالفعل أكثر من مرة من قبل، واليوم أجدني أربط قصتها بما يحدث حولي..
لن تصدقي يا سلمى كم الأشياء القريبة التي نظنها بعيده، وكم الأشياء البعيده التي نظنها قريبة،
يا لها من دنياٌ غريبة.
-------------
4.      سلمى..
لقد قررت أن آخذ دروسا في الرقص، أو حتى أن أذهب إلى إحدى الأماكن التي أتمكن من الرقص فيها بحرية دون أن يكون ذلك وسط أشخاصا لا أحبهم أو في ساعة متأخرة مما قد سبب لي إحراجا لا أبحث عنه..
طوال حياتي ظننت أني أحب القراءة والكتابة فقط، ربما لانها كانا الشيئان اللذان سأتمكن من فعلهم..، فقد أحببت السفر منذ كنت صغير لكنى لم أستطع أن أسافر رغم المنح الكثيرة التي عُرضت علىّ..لازلت أذكر نفسي حتى اليوم في مكتب مديرة مدرستنا الثانوية التي لم توقع لي بالموافقة على الأوراق رغم أني انهيتها كاملة...،
لم توقع لانها لم تريدني أن أسافر يا سلمى.. فقط نظرت لي وقالت لا، هل كان الأمر بهذه السهولة؟!
كما أني أحببت الموسيقى وأشتريت جيتارا وأنا صغيرة لكنى لم أكمل دروسة، وأحببت الرياضة فلعبت السباحة ثم إحدى الألعاب القتالية التي حاول الجميع إقناعي أنها ليست للبنات، فلم أقتنع..وعندما شعرت أني لا أخذ فيها ما أستحق وتشاجرت مع مدربي تركتها..وعندما علمت أنه مات بعد ذلك بفترة فقدت الرغبة فيها.
وأحببت الرسم.. لكني لم أنجح في إمتحان القبول بكلية الفنون الجميلة، كما أني أحببت الافلام الأجنبية لكني كنت أعلم مسبقا أني لن أكون إحدى نجوم هوليوود..، كما أحببته..بينما لم يفعل هو.
ليس كل ما نحبة ندركة يا سلمى، وليس كل ما ندركه نحبة..لكننا أدركناه؛ عرفت بعد ذلك في الحياة أن إدراك الأشياء يجب أن يُدرك ..أو يُترك لمن يريده، وإلا فيما العيش ؟!
لكنى أخبرك الأن .. ربما لم أنجح في إمتحان الرسم، لكني سأحصل على إحدى الوشوم التي أتوق إليها، ومازلت استمع إلى موسيقى "ياني وعمر خيرت" فأطير بها، كما أني لم أتوقف يوما عن مشاهدة الأفلام الاوروبية على إختلاف لهجاتها، وسوف اسافر يوما ما..أعدك.
أحب بهاء طاهر، رغم أنى لا أذكر له سوى "واحة الغروب" فى مكتبتى ..لقد احبتته.
اول مره استوقفنى اسم بهاء طاهر كان على غلاف "حب فى المنفى" ولم أشتريها لا اعرف لماذا، ثم قررت بعد ذلك شرائها كهديه لصديقه لى فى عيد مولدها وقد كانت تشاركنى حب القراءه، ثم تراجعت فى اللحظه الاخيره نتيجه استمرار ابنة عمتى وامى اخبارى بأن تلك لا تصلح كهدية عيد مولد حتى وان كانت لفتاه تحب القراءه..وابتعت لها بدلا منها "علبة مكياج" اتضح انها كانت فكره سيئه..لان الصديقة كانت تحضر ادوات تجميلها معها من "السعوديه" حيث يعمل اباها..وعندما اخبرتها بالقصه كامله..اقتضب حاجبيها وقالت: ليتك احضرتى الرواية.
على أية حال .. انا لا اكتب ذلك لاروى كيف تعرفت على بهاء طاهر ولا لكى أنقد او استعرض واحده من رواياته فطالما وجدت ذلك سخيفا..تماما كأن تخبرنى صديقه مهوسه بفيلم ما احداثة قبل ان ينتهى تتر البداية.
ولكن أردت أن أخبرك عن جزءا في إحدى روايات كاتبي المفضل؛ يروى البطل في "قالت ضحى" كيف انه ظل معجبا بزميلته فى المكتب الذى يعملا فية طوال فتره ليست بقصيره ، لكنهما لا يتحدثان سوى عن العمل وفية، وفى يوم  ما حدث ما حدث فغضب منها وغضبت منه  وهو ما كان سببا بعد ذلك لكى يتقاربا اكثر.
وأنقل لكِ نصا عن بهاء طاهر :"وبعد اليوم الذى اغضبتنى فية واغضبتها  صارت تحدثنى عن حياتها، وصرت احدثها عن حياتى"!
--------------

لم ترد سلمى على رسائل صديقتها بعد فترة من سفرها.. ربما لانها بدأت حياة جديدة، أو ربما لانها كانت دائما ما تذكرها بما تريد نسيانه، أو حتى ربما لانها لم تتلقى أيا منها..
لم تعرف الصديقة السبب الحقيقي لكنها توقفت عن كتابة الرسائل بعد فترة ليست بقصيرة، فقد علمت بعد عدة تجارب في الحياة أن الأسباب ليست دائمة الوضوح، وقد تحدث أشياءا حتى بلا أسباب ومن الافضل الا نبحث عنها..فقد تضل الرسائل كما يضل الأشخاص، وقد تحترق أو تضيع من ضمن الاشياء التي نظنها "كراكيب" أثناء الإنتقال من منزل إلى آخر، وقد تخبو قيمة كلماتها مع الأيام فنمزقها ونرميها بلا اكتراث.
لم ترد سلمى ولم تكتب الصديقة../ انتهى .. نضجتا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق