كنت أود لو أصدق أن تجارب الحياة الأليمة تجعل الناس أكثر رفقًا عن غيرهم، لو أن من ذاق الألم مرة واحدة، يُجنب الآخرين معاناته، لكنها ليست الحقيقة. فالواقع هو أنهم يزدادون قسوة ولو أظهروا العكس، يجعلهم الخزي والفقدان المستمر أكثر إقدامًا على خسارة البقية، ولسان حالهم، لن نخسر الأغلى، وهم يخسرون!
وربما كانت قشرتهم الخارجية تلك مكافأة الحياة لهم، وعقابًا لآخرين.
نتمسك بالابتسامات العابرة والشمس وتشابك الأيدي والألحان السريعة القصيرة وقصائد درويش ودنقل ورائحة الطعام وحفلة السادسة مساءً بالسينما ورائحة الكتب و أحاديث الأصدقاء الطويلة وتجمعنا العائلي أحيانًا على الغذاء ولحظات الأمان والسكينة ونظرات الأطفال العابرة التي تشعرنا بأننا مميزون وحنينا إلى كل ما هو قديم، طامحين بذلك أن يتخلى عنّا كل ما هو مؤلم وقبيح، لكن بعض الأشياء تتصرف وكأنها ذلك الوحش ذو الأنياب المختبىء تحت أسِرَّتنا، لا يحتاج سوى لبعض الظلام حتى يُسمعنا حشرجة صوته تاركًا البقية لعقولنا. ذلك هو قاتلك الحقيقي.
اعتدت أن أنظر للسماء كل يوم، أو تحديدًا للقمر. اعتدت أن أسمع صوت أم كلثوم الصادح ليلاً من شباك جيراننا، اعتدت أن اقترب من مصدر الصوت عند انسجامي مع أحد جملها الشهيرة، اعتدت (دولابي) الجديد في الغرفة ولونه الداكن، اعتدت أن أحادث أصدقائي المقربين لساعات نتحدث في أشياء بلا هدف، اعتدت أن أتصل بهم أثناء سيري في شوارع طويلة لا لغرض سوى للحديث، اعتدت السير وحدي، اعتدت الحلم كثيرًا في الليل، اعتدت الذهاب للأوبرا بنفس الشغف في كل مرة، اعتدت تراجع مقدرتي على القراءه بنفس سرعتي القديمة، اعتدت على ابتعاد المقربين، واقتراب الغرباء، اعتدت على حبي الجديد للشمس، اعتدت رائحتك الممتزجة دائمًا بالقهوة والسجائر، اعتدت حضورك واعتدت الغياب، لكني لن اعتاد ابدًا الضحكات الصفراء أو النظرات الخبيثة، لن أعتاد ادّعاء المثالية أوالانتصارات الزائفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق