يكتبون عن الحب.. لكني وحدي من يكتب عنك.
أنا لا أملك
القصص، لا أعرف كيف يصيغون الحكايات؛ أنا عادية، لا أملك أية مواهب، لا أغني، لا
أرسم، لا أعزف، لا اكتب شعراُ، لست اجتماعية، لست صاحبة الابتسامة الأفضل، لست
الأشهر بين أصدقائي، ولست أجملهم، لكن يمكنني أن أكتب عنك ربما سطرا لا أعلم إن
كان يعني أي شيء في المطلق لكنه يعني الكثير لي. أنا من تكتبه، أنا من تقرأه ووحدي
من يفهمه، لا يغضبني هذا
مؤخرا أحببت نفسي
أكثر من أي شخص، لكني أحيانا ما أغضب منها فأؤذيها ؛ ليس عن قصد. عندما أدخل في أي من فترات الاكتئاب
المظلمة، "أتكور" على سريري وأضع وجهي في مخدتي الصغيرة، ارفع الغطاء
فوق رأسي وأشعر أن الألم يسير ببطء داخل جسدي كله، ينتابني الصداع، اسمع مئات الأصوات
داخل عقلي كلها في وقت واحد، عالية، صارخة، كلهم يحاولون قتلي بعد اتهامي بالغباء
مصر من أكثر الدول
التي تصدر أحكاما بالإعدام حول العالم، وبغض النظر عن أن معظم القضايا يتم استئنافها
والطعن فيها ليتغير الحكم النهائي، يجب دائما على القاضي أن يُحيل أوراق القضية إلي
المفتي ليسمع رأيه، لكنه ليس مُجبرا له على أية حال، فإن كان الحكم بالإعدام
نهائيا يُنفذ على رءوس الجميع وأولهم من أفتى.
البعض يظن أن
الإعدام حكما قاسيا ويسعون لمنعه في المحاكمات، والحقيقة أننا نصدره على أنفسنا
يوميا. أظن أن الحكم يجب أن يكون على درجة الغباء، هكذا نحاسب أنفسنا، نجلدها حتى
الموت من أجل كلمة كان يجب أن نقولها في وقت ما، ولم نفعل، من أجل صرخة كان يجب أن
نصرخها ولم نفعل، من أجل نظرة كان يجب ألا ننظرها وفعلنا. وعلى الرغم من أن كل هذه
التصرفات ردود أفعال طبيعية لا دخل لنا فيها، تخرج في الغالب بناءا على ثقافتنا
وخبرتنا في الحياة إلا إننا نحاسب أنفسنا عليها أشد الحساب نقتل أنفسنا على الحب
والكرة والإعجاب.
- هل تحبيه ؟
- بالطبع لا !
- كاذبة- ، كان
يجب أن تقولها لي، كان يجب أن أقولها لنفسي؛ الآن وبعد مرور سنوات استجمع قوايّ كل
مرة تذكرت فيها و"تكورت" في سريري أحاول أن انسي ردود أفعالي الغبية،
وأحاسب نفسي لماذا ارتديت ذلك "البنطلون" رغم أني اعلم انه لن يجعلني ابد
كما أريدك أن تراني، ثم أسأل نفسي، لماذا يجب علىّ أن أبدو جميلة وفقا لمعاييرك؟!
أنسى أحيانا تفاصيل
وجهك، أنسى نظرتك، أصبحت أبذل جهدا أكبر في تذكر المواقف التي كنت لا اذكر سواها
في احد الأيام. قميصك الأرجواني، شعرك الأسود، نظرتك التي كان تتأرجح في غرابة و سرعة
من الحنِيَّةُ إلى القسوة. لا أذكر عدد المرات التي لامست فيه يدك، لكني اذكر المرات اللاتي
لامست فيها أخريات، المرات التي تركتني فيها من أجلهن، والمرات التي فيها حتى لم أراهن؛
من فينا عنيدا أكثر، أنا أم أنت؟
- هل تحبيه؟
- بالطبع لا !
- صادقة- أقولها
لنفسي..أنت تعرفين كيف يُشعر الحب.
- هل تحبيه؟
- لا أعرف..؛ ليس
عندي ما أقوله لكِ، بعد.
لست مثالية ولا أريد
هؤلاء المثاليون في حياتي على الإطلاق، أريد الذين يخطئون كل يوم، على أن تكون
خطيئة الليلة مختلفة عن أمس وغدا، ما الجيد في فعل ما أجيد فعله، ما هو المميز في
السير على الخط المرسوم مسبقا، بماذا أشعر في الحياة الآمنة ..الآمنة تماما
أشعر بنقص كل ما فقدته وأنا اختفي تحت هذا الغطاء.
أتساءل إن كنت أعطي الأشياء أكبر من أحجامها الطبيعية، إن كنت أرى من خلف نظارة
سوداء، إن كنت فقدت بسبب غبائي ما كانت أخريات لتحظين به إن كن مكاني، إن كنت لا
أثق بنفسي كما يجب، أو أثق بها أكثر مما يجب
عندما يكتمل
القمر، يُقال إنه في أفضل أطواره وأجملها، وعلى الرغم انه يفعل ذلك ثلاثة أيام في
الشهر، ننكر على بقية الأطوار جمالها ونتجاهلها وهي لا تُنكر علينا نورها. فلنقل
أن "تكوري" هذا طورا مُتجاهلا، وأنك كنت طوري المُكتمل.
قال غسان لـ"لميس" وهي في الثامنة من عمرها، إنها لن تستطيع أن ترى الشمس في غرفة
مغلقة. أنا في السماء..محاذية للشمس تماما، نورها سر نوري، مع ذلك هي لا تُكملني.
القمر في دورته لا
يسعى للاكتمال، هو فقط يعبر خلاله، يطور أشكاله وفقا للنور الذي يأخذه، لكننا نحن
من ينتظر الثلاثة أيام المثالية، نحن من يُملي الشروط على أنفسنا. ليتك تسمعني يا
غسان وأنا أقول أنّي في "تكوري" هذا لا أرى الشمس، وعلى محاذاتي بها لا
آخذ منها ما يكملني. أنا لست في الغرفة، ولست في السماء؛ لا تملِ علىّ فعلي، ولا
تخبرني كيف أكتمل
أتعرف ماذا يقول
أمل دنقل، يقول "إن البحر كالصحراء..لا يروي العطش"، أظن أنه على حق،
وأظن أن الشمس تُبقيني حية دون أن تكملني، وأظن أن لا شيء يدوم إلى الأبد، وأظن أن
"تكوري" هذا طور، وأن اكتمالي كان طور، وأني كنت كاذبة، وأني بالغت في ردود
فعلي، وأن أصوات رأسي عالية وأني أصبحت أعرف كيف أقول لا، لمن، ومتى. وأظن أن
طاقتي نقصت، وأظن أن حاجتي للتمرد تكبر كل يوم، وأظن أن ما آخذة من نور الشمس
قليل، وأظن أني أريد المزيد.. من كل شيء، حتى من جملتك القصيرة تلك، وقصتك
المقتضبة.